الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أبجد العلوم **
وهو علم يبحث فيه عن أبعاد الكواكب عن مركز العالم ومقدار، جرمها أما بعدها فيعلم بمقدار واحد كنصف قطر الأرض الذي يمكن معرفته بالفراسخ والأميال. وأما أجرامها فيعرف مقدارها كجرم الأرض. واعلم أن مباحث هذا الفن في غاية البعد عن القبول، ولذلك ترى أكثر الناس إذا سمعوا لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون، وقالوا إن هذا إلا كذب مفترى، وذلك لعدم اطلاعهم على أحكام الهندسة والمناظر، واعتقادهم أنه لا سبيل إلى ذلك التقدير إلا بالصعود والقرب من تلك الأجرام ومساحتها بالأيدي والأقدام، ومن المختصرات في هذا الفن سلم السماء. هو فن باحث عن أقوال العلماء الراسخين من الأصحاب والتابعين لهم وسائر السلف وأفعالهم وسيرهم في أمر الدين والدنيا ومباديه أمور مسموعة من الثقات. والغبض منه معرفة تلك الأمور ليقتدى بهم وينال ما نالوه، وهذا الفن أشد (2/ 24) ما يحتاج إليه علم الموعظة، هذا ما قاله لطف الله في موضوعاته، وقد نقله طاشكبري زاده بعبارته في ((مفتاح السعادة))، ثم قال: ومن الكتب المصنفة في هذا العلم كتاب ((سير الصحابة والتابعين والزهاد)) للأندر سقاني، وكتاب ((روض الرياحين)) لليافعي، وغير ذلك انتهى. وأما ((آثار الطحاوي)) و ((شرح مشكله)) مع ما يتعلق به فإن معنى آثاره معنى مغاير لتعريف هذا العلم، وهو على ما في كتب أصول الحديث بمعنى الخبر. قال شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في نخبة الفكر: إن كان اللفظ مستعملاً بقلة احتيج إلى الكتب المصنفة في شرح الغريب، وإن كان مستعملاً بكثرة لكن في مدلوله دقة احتيج إلى الكتب المصنفة في شرح معاني الأخبار وبيان المشكل منها، وقد أكثر الأئمة من التصانيف في ذلك كالطحاوي والخطابي وابن عبد البر وغيرهم رحمهم الله تعالى انتهى. هو علم يبحث فيه عن المركبات التي لا مزاج لها وتتعرف منه أسباب حدوثها. وهو ثلاثة أنواع لأن حدوثه إما فوق الأرض أعني في الهواء، وهو كائنات الجو، وإما على وجه الأرض كالأحجار والجبال، وإما في الأرض كالمعادن، وفيه كتب للحكماء منها كتاب ((السماء والعالم)). من فروع اللغة والصرف والنحو والأحاجي جمع أحجية كالأضحية، كلمة مخالفة المعنى. وهو علم يبحث فيه عن الألفاظ المخالفة لقواعد العربية بحسب الظاهر وتطبيقها عليها، إذ لا يتيسر إدراجها فيها بمجرد القواعد المشهورة. وموضوعه الألفاظ المذكورة من الحيثية المذكورة. (2/ 25) ومباديه مأخوذة من العلوم العربية. وغرضه تحصيل ملكة تطبيق الألفاظ التي تتراءى بحسب الظاهر مخالفة لقواعد العرب. وغايته: حفظ القواعد العربية عن تطرق الاختلال. والاحتياج إلى هذا العلم: من حيث أن ألفاظ العرب قد يوجد فيها ما يخالف قواعد العلوم العربية بحسب الظاهر بحيث لا يتيسر إدراجه فيها بمجرد معرفة تلك القواعد، فاحتيج إلى هذا الفن. وللزمخشري المتوفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة تأليف لطيف في هذا الفن سماه الحاجات. وللشيخ علم الدين علي بن محمد السخاوي الدمشقي المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة شرح هذا المتن الدقيق، التزم فيه أن يعقب كل أحجية في الزمخشري بلغزين من نظمه. وأبو المعالي سعد بن علي الوراق الحطيري المتوفى سنة ثمان وستين وخمسمائة صنف فيه أيضاً والسادسة والثلاثون التي تعرف بالملطية من المقامات الحريرية في هذا المعنى فمنها للمثال: يا من سما بذكاء. في الفضل وأرى الزناد. ماذا يماثل قولي. جوع أمد بزاد. يا ذا الذي فاق فضلاً. ولم يدنسه شين. ما مثل قول الحاجي. ظهر أصابته عين. فطريق معرفة المماثلة فيه أن تنظر جوع أمد بزاد فتقابله بطوامير، لأن طوى مثل الجوع في المعنى، ومير مثل أمد بزاد، لأن مير الإمداد بالزاد، وكذا تقابل ظهر أصابته عين بقولك: مطاعين، فتجد المطا الظهر، وعين الرجل أصيب بالعين. فإذا تركت الألفاظ بغير تقسيم يظهر لك معنى آخر وهو أن الطوامير الكتب، والواحد طومار، والمطاعين جمع مطعان وهو كثير الطعن وعليه فقس. (2/ 26) وهو النظر في أمور أهل المدينة بإجراء مراسم معتبرة في الرياسة الاصطلاحية ونهي ما يخالفها، وتنفيذ ما تقرر في الشرع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والسلطان بالنسبة إلى الملك بمنزلة الرأس من البدن الذي هو منبع الرأي والتدبير. والوزير بمنزلة اللسان المعبر عما في الضمير. وأهل الاحتساب بمنزلة الأيدي والأقدام والمماليك والخدم، ولن يتم أمر الملك إلا بهؤلاء الثلاث هذه عبارة قديمة العلوم. وقال في ((كشف الظنون)): هو علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم اللاتي لا يتم التمدن بدونها، من حيث إجرائها على القانون العدل، بحيث يتم التراضي بين المعاملين، وعن سياسة العباد بنهي المنكر وأمر المعروف بحيث لا يؤدي إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد بحسب ما رآه الخليفة من الزجر والمنع. ومباديه: بعضها فقهي وبعضها أمور استحسانية ناشئة من رأي الخليفة. والغرض من تحصيل الملكة في تلك الأمور. وفائدته: إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم وهذا من أدق العلوم ولا يدركه إلا من له فهم ثاقب وحدس صائب، إذ الأشخاص والأزمان والأحوال ليست على وتيرة واحدة فلا بد لكل واحد من الأزمان والأحوال سياسة خاصة، وذلك من أصعب الأمور، فلذلك لا يليق بمنصب الاحتساب إلا من له قوة قدسية مجردة عن الهوى، كعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه كان عالماً في هذا الشأن كذا في موضوع لطف الله. وعرفه أبو الخير بالنظر في أمور أهل المدينة بإجراء ما رسم في الرياسة (2/ 27)، وما تقرر في الشرع ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً ثم قال: وعلم السياسة المدنية مشتمل على بعض لوازم هذا المنصب ولم نر كتاباً صنف فيه خاصة، وذكر في ((الأحكام السلطانية)) ما يكفي، انتهى. أقول فيه كتاب ((نصاب الاحتساب)) خاصة ذكر فيه مؤلفه أن الحسبة في الشريعة تتناول كل مشروع بفعل الله - سبحانه وتعالى - كالأذان والإقامة وأداء الشهادة مع كثرة تعدادها، ولذا قيل: القضاء باب من أبواب الحسبة وفي العرف مختص بأمور فذكرها إلى تمام خمسين، وفيه كتب ذكرت في محالها انتهى ما في ((الكشف)). والأحكام: اسم متى أطلق في العقليات أريد به الأحوال الغيبية المستنتجة من مقدمات معلومة هي الكواكب من جهة وحركاتها ومكانها وزمانها. وفي الشرعيات: يطلق على الفروع الفقهية المستنبطة من الأصول الأربعة، وسيأتي في علم الفقه. وأما الأول: فهي الاستدلال بالتشكلات الفلكية من أوضاعها وأوضاع الكواكب من المقابلة والمقارنة والتثليث والتسديس والتربيع على الحوادث الواقعة في عالم الكون والفساد، وفي أحوال الجود والمعادن والنبات والحيوان. وموضوعه: الكواكب بقسميها. ومباديه: اختلاف الحركات والأنظار والقرآن. وغايته: العلم بما سيكون بما أجرى الحق من العادة بذلك مع إمكان تخلفه عندنا كمنافع المفردات، ومما يشهد بصحته بنية بغداد فقد أحكمها الواضع والشمس في الأسد، وعطارد في السنبلة، والقمر في القوس، فقضى الحق أن لا يموت فيها ملك ولم يزل كذلك وهذا بحسب العموم، وأما بالخصوص فمتى علمت مولد شخص سهل عليك الحكم بكل ما يتم له من مرض وعلاج وكسب وغير ذلك (2/ 28)، كذا في تذكرة داوود، ويمكن المناقشة في شاهدة بعد الإمعان في التاريخ لكن لا يلزم من الجرح بطلان دعواه. وقال أبو الخير: وأعلم أن كثيراً من العلماء على تحريم علم النجوم مطلقاً. وبعضهم على تحريم اعتقادات الكواكب مؤثرة بالذات. وقد ذكر عن الشافعي أنه قال: إن كان المنجم يعتقد أن لا مؤثر إلا الله - سبحانه وتعالى - لكن أجرى الله عادته بأن يقع كذا عند كذا، والمؤثر هو الله - سبحانه وتعالى - فهذا عندي لا بأس به، وحيث جاء الذم ينبغي أن يحمل على من يعتقد تأثير النجوم بذاتها، ذكره ابن السبكي في ((طبقاته الكبرى))، وفي هذا الباب أطنب صاحب ((مفتاح السعادة))، إلا أنه أفرط في الطعن قال. واعلم أن أحكام النجوم غير علم النجوم، لأن الثاني يعرف بالحساب فيكون من فروع الرياضي والأول يعرف بدلالة الطبيعة على الآثار، فيكون من فروع الطبيعي. ولها فروع منها: علم الاختيارات، وعلم الرمل، وعلم الفال، وعلم القرعة، وعلم الطيرة والزجر انتهى. قلت: والحق في ذلك ما دلت عليه الأحاديث لا ما اقترحه الرجال بآرائهم الفاسدة وعقولهم الكاسدة. قال في ((مدينة العلوم)): ومن المختصرات فيه ((مجمل الأصول)) لكوشيار ((والجامع الصغير)) لمحيي الدين المغربي. ومن المتوسطات كتاب ((البارع والمغني)). ومن المبسوطة ((مجموع ابن شرع))، و((الأدوار)) لأبي معشر، ((والإرشاد)) لأبي ريحان البيروني، ((والمواليد)) للخصبي، و((التحاويل)) للسنجري، و((القرانات)) للبازيار، و((المسائل)) للقصراني، و((الاختيارات العلائية)) و ((ودرج الفلك)) لتكلوشا، و((التفهم)) للبيروني. وقال: في ((كشف الظنون)) فيه كتب كثيرة. (2/ 29) من وفياتهم وقبائلهم وأوطانهم وجرحهم وتعديلهم وغير ذلك وهذا العلم من فروع التواريخ من وجه، ومن فروع الحديث من وجه آخر، وفيه تصانيف كثيرة ذكره أبو الخير، وقد أورده من جملة فروع الحديث، ولا يخفى أنه علم أسماء الرجال في اصطلاحات أهل الحديث. وهذا من فروع علم التواريخ، وقد اعتنى بها العلماء، وهو حقيق بالاعتناء وأفردها بالتدوين جماعة منها: ((قصص الأنبياء)) لابن الجوزي، وغيره من العلماء الكرام رحمهم الله تعالى. وهو من فروع علم الفراسة. قال أبو الخير: هو علم باحث عن كيفية دلالة اختلاج أعضاء الإنسان من الرأس إلى القدم على الأحوال التي ستقع عليه وأحواله ونفعه. والغرض منه ظاهر لكنه علم لا يعتمد عليه لضعف دلالته وغموض استدلاله. ورأيت في هذا العلم رسائل مختصرة لكنها لا تشفي العليل ولا تسقي الغليل انتهى. ومثله في ((مدينة العلوم)). قال الشيخ داوود الإنطاكي في تذكرته: اختلاج حركة العضو والبدن غير إرادية تكون عن فاعل هو النجار. ومادي هو الغداء المبخر، وصوري هو الاجتماع. وغائي هو الاندفاع، ويصدر عنه اقتدار الطبع، وحال البدن معه كحال الأرض مع الزلزلة عموماً وخصوصاً وهو مقدمة، لما سيقع للعضو المختلج من مرض (2/ 30) يكون عن خلط يشابه البخار المتحرك في الأصح وفاقاً. وقال جالينوس: العضو المختلج أصح الأعضاء إذ لو لم يكن قوياً ما تكاثف تحته البخار كما أنه لم يجتمع في الأرض إلا تحت تخرم الجبال، وقال: وهذا من فساد النظر في العلم الطبيعي لأن علة الاجتماع تكاثف المسام واشتدادها لا قوة الجسم وضعفه، ومن ثم لم يقع في الأرض الرخوة مع صحة تربتها، ولا نشاهد انصباب المواد إلى الأعضاء الضعيفة، ولأن الاختلاج يكثر جداً في قليل الاستحمام والتدليك دون العكس، وعده أكثر الناس علماً وقد أناطوا به أحكاماً ونسب إلى قوم من الفرس والعراقيين والهند كطمطم وإقليدس، ونقل فيه كلام عن جعفر بن محمد الصادق وعن الإسكندر، ولم يثبت على أن توجيه ما قيل عليه ممكن، لأن العضو المختلج يجوز استناد حركته إلى حركة الكوكب المناسب له لما عرفناك من تطابق العلوي والسفلي في الأحكام، وهذا ظاهر انتهى. والرسائل المذكورة مسطورة في محلها. هو من فروع علم النجوم. فهو علم باحث عن أحكام كل وقت وزمان من الخير والشر الجاريين في العالم السفلي بحسب تبدل أحوال القمر في منازله، وأوضاع الكواكب، وأوقات يجب الاحتراز فيها عن ابتداء الأمور، وأوقات يستحب فيها مباشرة الأمور، وأوقات يكون مباشرة الأمور فيها بين بين. ثم كل وقت له نسبة خاصة ببعض الأمور بالخيرية وببعضها بالشرية، وذلك بحسب كون الشمس في البروج، والقمر في المنازل، والأوضاع الواقعة بينهما من المقابلة والمقارنة والتثليث والتربيع والتسديس، وغير ذلك، حتى يمكن بسبب ضبط هذه الأحوال اختيار وقت لكل أمر من الأمور التي تقصد كالسفر (2/ 31) والبناء وقطع الثوب إلى غير ذلك من الأمور. وفيه كتب كثيرة منها: كتب بطليموس وواليس المصري، ودرونيوس الإسكندراني، وكتاب أبي معشر البلخي، وكتاب عمر بن فرحان الطبري، وكتاب أحمد بن عبد الجليل السنجري، وكتاب محمد بن أيوب الطبري، وكتاب يعقوب بن علي القصراني، رتب على مقالتين عشرين باباً وكتاب كوشيار بن لبان الجيلي، وكتاب سهل بن نصر، وكتاب كنكة الهندي، وكتاب ابن علي الخياط، وكتاب الفضل بن بشر، وكتاب أحمد بن يوسف، وكتاب الفضل بن سهل، وكتاب نوفل الحمصي، وكتاب أبي سهل مأجور وأخويه، وكتاب علي بن أحمد الهمداني، وكتاب الحسن بن الخطيب، وكتاب أبي الغنائم بن هلال، وكتاب هبة الله بن شمعون، وكتاب أبي نصر بن علي القمي، وكتاب أبي نصر القبيصي، وكتاب أبي الحسن ابن علي بن نصر، واختيارات الكاشفي فارسي على مقدمة ومقالتين وخاتمة، والاختيارات العلائية المسماة بـ ((الأحكام العلائية في الأعلام السماوية))، واختيارات أبي الشكر يحيى بن محمد المغربي، وغير ذلك، ونفع هذا العلم بين لا يخفى على أحد. وهو علم يتعرف منه كيفية إخفاء الشخص نفسه عن الحاضرين بحيث يراهم ولا يرونه، وله دعوات وعزائم، إلا أن صاحب ((مدينة العلوم)) قال: إن الغالب على ظني أن ذلك لا يمكن إلا بالولاية بطريق خرق العادة لا بمباشرة أسباب يترتب عليها ذلك عادة. هو قسم من الحكمة العملية. (2/ 32) قال الأرنيقي في ((مدينة العلوم)): هو علم يعرف منه أنواع الفضائل، وهي اعتدال ثلث قوي، وهي القوة النظرية والغضبية والشهوية، منها أوساط بين الرذيلتين. الحكمة: وهي كمال القوة النظرية، وهي التوسط بين الرذيلتين البلادة والجريزة، الأول تفريطها، والثاني إفراطها. والشجاعة: وهي كمال القوة الغضبانية، وهي التوسط بين الرذيلتين الجبن والتهور، الأول تفريطها، والثاني إفراطها. والعفة: وهي كمال القوة الشهوية، وهي التوسط بين الرذيلتين الخمود والفجور، والأول تفريطهما، والثاني إفراطها وهذه الثلاثة أعني الحكمة والشجاعة والعفة تذكر في علم الأخلاق تعريفاتها. ثم طريق العلاج بأن يفتر عن طرفي التوسط ويعتدل في الوسط، وخير الأمور أوساطها. وموضوع هذا العلم: الملكات النفسانية من حيث تعديلها بين الإفراط والتفريط. ومنفعته: أن يكون الإنسان كاملة أفعاله بحسب الإمكان، ليكون أولاه سعيداً أو أخراه حميدا انتهى قال ابن صدر الدين في ((الفوائد الخاقانية)): وهو علم بالفضائل وكيفية اقتنائها لتتحلى النفس بها، وبالرذائل وكيفية توقيها لتتخلى عنها. فموضوعه: الأخلاق والملكات والنفس الناطقة، من حيث الاتصاف بها وهاهنا شبهة قوية، وهي أن الفائدة في هذا العلم إنما تتحقق إذا كانت الأخلاق قابلة للتبديل والتغيير والظاهر خلافه كما يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام)) وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: ((إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوا أو إذا (2/ 33) سمعتم برجل زال عن خلقه فلا تصدقوا فإنه سيعود إلى ما جبل عليه))، وقوله عز وجل وأيضاً الأخلاق تابعة للمزاج والمزاج غير قابل للتبديل، بحيث يخرج عن عرضه. وأيضاً السيرة تقابل الصورة وهي لا تتغير. والجواب: إن الخلق ملكة تصدر بها عن النفس أفعال بسهولة من غير فكر وروية. والملكة راسخة في النفس لا تزول بسرعة، وهي قسمان: أحدهما طبيعية، والآخر عادية. أما الأولى: فهي أن يكون مزاج الشخص في أصل الفطرة مستعداً لكيفية خاصة كامنة فيه، بحيث يتكيف بها بأدنى سبب، كالمزاج الحار اليابس بالقياس إلى الغضب، والحار الرطب بالقياس إلى الشهوة، والبارد الرطب بالنسبة إلى النسيان، والبارد اليابس بالنسبة إلى البلادة. وأما العادية فهي: أن يزاول في الابتداء فعلاً باختياره وبتكرره والتمرن عليه يصير ملكة، حتى يصدر عنه الفعل بسهولة من غير روية. ففائدة هذا العلم بالقياس إلى الأولى إبراز ما كان كامنا في النفس، وبالقياس إلى الثانية تحصيلها، وإلى هذا يشير ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) ولهذا قيل: إن الشريعة المصطفوية قد قضت الوطر عن أقسام الحكمة العملية على أكمل وجه وأتم تفصيل انتهى. وفيه كتب كثيرة منها: ((أخلاق الأبرار والنجاة من الأشرار)) لأبي حامد الغزالي، وأخلاق الشيخ الرئيس، وأخلاق راغب، وأخلاق علائي، وأخلاق عضد الدين الأيجي، وأخلاق فخر الدين الرازي، وأخلاق الناصري، ورسائل إخوان الصفا، وخلان الوفا، وأخلاق جلالي للمحقق الدواني. وعبارة ((مدينة العلوم))، ومن الكتب المختصرة فيه كتاب ((البر والإثم)) لأبي علي ابن سينا (2/ 34)، و ((كتاب الفوز)) لأبي علي مسكويه. ومن المبسوطة كتاب الإمام فخر الدين بن الخطيب الرازي انتهى. قلت: وقد قضت الشريعة المصطفوية حق علم الأخلاق فلم تدع لأحد فيه مثالاً يقوله وكلاماً يتلكم به، فالكتاب والسنة يكفيان لمن يريد إدراك هذا العلم والتحلي به عن تلك الكتب المشار إليها، فإن الصباح يغني عن المصباح.
|